تحرير فلسطين من الزنادقة العلمانيين، الخطوة الأولى لتحريرها من اليهود
تعود أصول أهل فلسطين قبل ألفي سنة إلى قبيلتي لخم وجذام العربيتين اليمانيتين، وأكثرهم ممن اعتنق الديانة النصرانية تبعاً لروما التي كانت تدين بها آنذاك، وتقيم نظامها السياسي في عموم بلاد الشام.
ولما امتن الله علينا بالدين والنعمة، أسلم أهل فلسطين، ودخلوا في دين الله أفواجاً، وتحولت معظم كنائسهم وأديرتهم برغبتهم إلى مساجد.
ولم تدخل على أهل فلسطين بدع العقائد وضلالات الأمم والشعوب؛ فأهل فلسطين عامة، هم من أهل السنة والجماعة، وهذه نعمة نحمد الله ـ تعالى ـ عليها كثيراً؛ فلـيس في فلسـطـين أحـد يزعـم أنـه شيـعـي أو خـارجـي أو معتزلي، وبعض البهائيين في بلادنا مستورَدون من إيران زمن تركيا، وعموم أهل فلسطين يدينون لله بالإسلام على مذاهب الفقه المعروفة للأئمة الأربعة.
أما اللغة التي قوَّم الله بها ألسنتنا، فهي اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، التي واجهت تحدي الرطانة العبرية، فأقام الله للغتنا أهلَ القرآن، يعلِّمون أبناء فلسطين التلاوة ومخارج الحروف، فاستقامت الألسنة، وتحدينا بلغتنا رطانة الدخلاء، فلا تجري العبرية على ألسنتنا، رغم بذل عدونا أقصى ما يملك من أجل فرضها في مدارسنا التي لفظت الرطانة العبرية كما تلفظ المكروهات الدنسة.
وهذه مقومات الأمة الناهضة: أصل عرقي واحد، ودين عظـيم يفيئـون إلى ظلاله، ولغـة أصـيلة تجمـع ألسنتهم، ولا يزال أهل فلسطين حتى الساعة كأنما هم أسرة واحدة من هذه النواحي جميعها.
ومع سقوط الخلافة العثمانية، تداعى الصليبيون على بلادنا من كل أفق، ووقعت فلسطين تحت سيطرة الإنجليز، فمهدوها لليهود، وأعطوهم وعدهم المشؤوم «وعد بلفور» ومن تلك الساعة، وبريطانيا تدفعنا نحو شعابها، عبر عقود ثلاثة غيَّروا فيها مدراسنا وغربوها، وصار التلامذة تحت سيـطرة النصـارى ينفـذون مخطـط بريطـانيا، ثم كثر تلامذة المستشرقين فينا، وبذروا العلمانية بذرة خبيثة، وأوحوا للناس أن لا طريق غير هذا الطريق، وصدق عليهم إبليس ظنه.
ووقعت نكبتنا الكبرى سنة 1367هـ/1948م المشهورة باسم النكبة، وتسلط من يومها العلمانيون علينا؛ فكلما نهض أهل الدين قمعتهم آلة التغريب، وشتت شملهم عملاء دولة اليهود.
ومن المعلوم أنه كان للإسلاميين في بلادنا فلسطين أكثر من نهضة، كانت تواجَه كلها بالحديد والنار؛ فنهضة (القسَّام) قمعها العرب والإنجليز على السواء، ونهضة (الحسيني) مثلها، وقبيل النكبة كانت كتائب الإسلاميين تقاتل في كل مكان من فلسطين، فلاحقتهم الأنظمة وطاردتهم في كل مكان، ورجعوا من المعركة إلى سجون الظالمين. والناظر في التاريخ المعاصر يكتشف هذه الحقائق الـمُرة، ويعلم كم حاربت العلمانية أهل الدين في فلسطين.
وبعد النكبة، حاول الإسلاميون جمع صفوفهم، فقمعتهم الأنظمة الثورية، وحاربتهم، ونكلت بهم، وألقتهم في غياهب السجون، وفرشت الأرض لزنادقة العلمانية، فأنشؤوا لهم المؤسسات، وهيؤوا لهم المراكز الداعمة، وأنشئت منظمة التحرير الفلسطينية التي أرادها الزعماء العرب علمانية لتحرير فلسطين من اليهود، فمضت تعلن علمانيتها بلا خجل، وهي حتى الساعة تدعو إلى العلمانية ليل نهار، وشعبنا شعب إسلام وإيمان ودين وعزة.
ومنذ سنوات أربعين وزيادة، و (الإمام الياسين) وإخوانه عُكُوف على تربية هذه الأجيال، حتى نشأ عندنا من الناس من لا يقبل عن الإسلام بديلاً، وكان ظهور هذا الجيل في المدارس والجامعات مع أواخر السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم، يتكاثرون كقطرات الغيث، ويوماً إثر يوم، أخذت دولة العدو اليهودية تتخوف من تقدم المد الإسلامي المبارك، فوسوست (الدولة الصهيوينة) للمنظمة أن لا حل إلا أن يتقدم قادة المنظمة لأوسلو، وكانت نكبة فوق نكبتنا: اعترفنا لعدونا بالسيطرة على معظم بلادنا، وأعطيناهم بالمجَّان كل شيء، وأخذنا مقابل ذلك سلطة مسلوبة، حدودها تسيطر عليها دولة العدو، وبحرها وجوها لعدونا، والأرزاق محصورة، والمعابر ممنوعة إلا بإذن يهودي، ومع كل هذا سمُّوا ذلك لنا نصراً، وزغرد الرصاص في سمائنا، كأن يافا قد أشرقت فيها شمس العروبة والإسلام من جديد.
ومنذ سنوات أوسلو العجاف عام 1994م وسياط البغي تُلهب ظهور الإسلاميين في فلسطين؛ فمنذ وصل (الأوسليون) ذبحوا الناس في مجزرة مسجد فلسطين، بعد صلاة الجمعة مباشرة، وزعموا من الأكاذيب يومها عجباً، وفُتحت بوابات السجون التي لم تستثن ابن الثمانين من أبناء الإسلام في فلسطين، وبدأت حملات التشويه والتشهير والتعذيب، فاعتقل كل الناس، لم يستثنوا كريماً أو عالماً أو أستاذاً جامعـياً، فما أكـرمـوا أحـداً، وصـار الاعتـقـال بـلا مـدة أو محاكمة، حتى زيارة الأهل للسجين لها ثمن مادي يُدفَع.
وأثناء ذلك كله، انطلق إعلام زنادقة العلمانية، يقلب الحقائق، ويزوِّر الأخبار، ويصور الإسلاميين بغير صورتهم، ويدعو إلى الإباحية، وتُستورَد راقصات موسكو وسائر البلاد إلى غزة والضفة المنكوبتين بزنادقة العلمانية، وتُفتح الشواطئ للعري والسياحة الماجنة، ويُبنى كازينو أريحا بالملايين من قوت اللاجئين، وتُضرب الصناعات البسيطة لصالح تجار السلطة المستوردين البضائع من بعيد، ويُبتز التجار، وتُحتكر الأقوات، ولا تكاد فضائية فلسطين تذكر فلسطين إلا قليلاً... كل ذلك من محن كان يحدث والناس صابرون.
وبدأت الانتفاضة الثانية، التي عُرفت باسم (انتفاضة الأقصى) وشيخنا (الياسين) كان تحت الإقامة الجبرية، والدكتور (إبراهيم المقادمة) وثلة من قادة الحركة في السجون حتى حطم الناس من أهل المعتقلين أبواب السجون، وأخرجوا قادة الحركـة منها، تحت قصف طائرات العدو للسجون، ولم يستحِ العلمانيون، الذين أرسلوا يريدون إعادة المجاهدين إلى السجون مرة أخرى ـ لم يستحوا من فعلتهم ونذالتهم تلك!
ومع إشراقة (انتفاضة الأقصى) انطلقت الحركة الإسلامية تتلمس طريق الجهاد من جديد، بعد سرقة السلطة لأسلحتنا، وإلقائنا في المعتقلات، وفتح الله علينا، وبدأنا نبحث عن رشاش وقنبلة، نشتريها من قوت أولادنا، وارتفعت أسعار السلاح بشكل لا يعلمه إلا الله؛ وذلك بسبب استمرار التيار الموالي للعدو المحتل برفع الأسعار في وجوهنا، ولكن الله مكَّن لنا، وصنَّعنا الكثير من أسلحتنا بأيدينا، من عتاد متنوع، صنعنا به بفضل الله ـ تعالى ـ توازناً يرعب عدونا؛ فصاروخنا الصاعد نحو العدو يهجِّرهم من مدننا المغتصبة، وفي كل يوم تتقدم المقاومة، حتى هرب شارون من غزة، وطُردت قطعان المستوطنين منها فلله الحمد والمنة.
وكانت محاولة العلمانيين لإيقاف هذا المد الجهادي المتقدم، فاخترعوا قصة الانتخابات، وكم عاتبونا بسبب عدم مشاركتنا في انتخابات سنة 1996 وأننا لا نقبل الشراكة، وأشبعونا حججاً وكذباً.
وبدراسة الأمر عبر أجهزة الحركة الشورية، تمت الموافقة على دخول الانتخابات، وكانت النتيجة مفاجئة لأعداء الله زنادقة العلمانية والأمريكيين واليهود على السواء؛ حيث حصلت الحركة على أكثر من ستة وسبعين مقعداً من مقاعد المجلس التشريعي البالغة مائة واثنين وثلاثين مقعداً، وكانت الصاعقة؛ فهذه أمريكا تنكرت لما تنادي به من احترام صندوق الاقتراع، وأعلنتها حرباً ضروساً على حماس، ومقاطعة لحكومة تشكلها حماس، أو تشارك فيها حماس.
يومها أعلن (الدحلان) وهو رجل أمريكا في فلسطين، حيث قال: من يدخل في حكومة تشكلها حماس سيقلل قيمتَه. وتفوَّه حينها بسباب يليق به، وبعد مدة ضُبط تسجيل له وهو يقول: (سأُرقِّص حماس خمسة بلدي) ويحرك سيارتي جيب في البلد، ويصنع الإشكالات لحركة حماس، وقد سجل له رجل تسجيلاً وهو ينطق كلاماً ينكر فيه ما أعد الله لعباده في الجنة، ويصف الغلمان المخلدين بوصف يندى له جبين الحياء؛ فلما قيل له: يا أبا فادي! هذا في القرآن قال: هذا الذي أصابني بالجنون!!!
ثم بدأ العلمانيون يطالبون حماس بالاعتراف بدولة العدو المحتل لأرضنا؛ فلما تأبَّت عليهم بدؤوا بالمشاركة في الحصار، ومحاولة اغتيال الأستاذ (إسماعيل هنية).
وبعدها أعلنوها حرباً على الدين وأهله، فقتلوا أولاً الأستاذ الدكتور (حسين أبو عجوة) ولم يستجيبوا لأي نداء للمصالحة الوطنية، ثم بدؤوا ينصبون الحواجز، ويقتلون على اللحية، وقتلوا أبناء المساجد وهم يتلون كتاب الله في مسجد الهداية، ثم كانت المصالحة بمكة المكرمة، برعاية كريمة من خادم الحرمين، جعلها الله في ميزان حسناته، وإذا بهم يستمرون في القتل بينما هم في مكة يتحاورون، وصبرنا وتصبرنا، ثم قتلوا المجاهد الحاج (ناهض النمر)، والأستاذ (محمد الرفاتي) إمام مسجد العباس، الحافظ لكتاب الله ـ تعالى ـ أمام أسرته، ثم قتلوا الطالبة المحجبة (عائشة الشوا) وقتلوا الأستاذ (مازن عجور) وأخذوا أسرته رهينة ودرعاً بشرية، واقتحموا البيوت، وحرقوها، وفعلوا المنكرات بلا حدود، فكان عندئذ قرار الحركة، بقتال من بغى علينا، حتى يفيء إلى أمر الله تعالى، فقاتلناهم قتال أهل البغي، رغم استعلان بعضهم بما يرتدُّون به، مثل سبّ الذات الإلهية، والاستهزاء بأحكام الشرع الحنيف، وإعلانهم العلمانية طريقاً ومنهجاً، ونصرنا الله عليهم، فالحمد لله رب العالمين.
ثم اكتشـفنا في المقرات البائدة ما لا يخطر على بال، مـن تقاريـر أمـنـية، تمـس بالدول العربـية؛ فقـد كـانـوا عين اليهود على الـدول العـربية في المنطـقة، ومن ذلك تسجيل يصـور أبا مازن وهو يقول بلهجة لا تدل على أبوية للشعب: من يحمل صاروخاً يقاتل اليهود طخُّوه، اقتلوه، اقـتلوه، ويصـفق لـه الرعـاع مـن زمـرتـه، ثـم يتهددوننا بأن (حماساً لا تأخذ معهم غلوة) يعني: حين يريدون استئصالها لا تستغرق منهم (غلوة فنجان الشاي)!
ومددنا لهم يد الصفح، وطلبناهم للمحاورة، فأعلنها الرئيس أبو مازن من اللحظة الأولى، بطريقته الفجة، يرفض الحوار معنا، وتآمر مع من بقي من زمرته في البلد على ترك العمل في الشرطة وسائر الأجهزة، وقد استجاب له معظم هؤلاء؛ لأنه كان يصنعهم جنداً له، لا لله أو لحماية البلد.
وبعد ذلك بدأت الحركة في ترتيب أوراقها، فبسطت الأمن في البلد، فلا تسمع صوت رصاصة غير رصاصة تقاتل اليهود، وبدأت ملاحقة تجار السموم والمخدرات، والقبض عليهم، ورفعت الحواجز من الطرق، فصارت غزة داراً واحدة، يطرقها الناس بلا خوف من أحد يقطع الطريق أو يفرض الأذى وهذا ما أعلنه الكثيرون حتى في وسائل الإعلام الأجنبي وسمعه العالم.
ثم مضى أبو مازن في الضفة الغربية، يعيث فيها فساداً وحرقاً كما فعل في غزة، والأيام دول؛ فكما دالت سلطته في غزة، ستدول بإذن الله ـ تعالى ـ في الضفة، وليس أمامه إلا الحوار مع حركة حماس التي تملك القلوب والنفوس والعقول، وإن أُغلقت في وجهها أبواب الدول ومعابر الأموال.
واليوم يتهددوننا بالحصار، وأي حصار أكثر مما نحن فيه؟! فنحن في حصار لما يقارب قرناً من الزمان؛ فهل يريدون أكثر مـن هـذا الذي نحـن فيـه؟ إن أمـة رضيـت بالإسـلام ديناً، لا يمكن أن تقبل العلمانية طريقاً للتحرير، ولا يمكنها أن تحني هامتها للعلمانية وزنادقتها، أو لدولة العدو المحتل.
إن في تاريخنا لعبرة؛ فمن ينظر إلى ما فعله صلاح الدين الأيوبي يختصر الحكاية كلها: تطهير الأرض من الحشاشين والباطنيين وأعداء الدين زنادقة العلمانية، ثم تطهير بيت المقدس بإذن الله؛ إنها الحكاية نفسها، والتاريخ يعـيد نفسه، والأمة ذاتها مدعوة للتأمل وقول الحق، فهل من مُدَّكِر؟!