الوعد ... من خيبر إلى القدس
عودة
الوعد من خيبر إلى القدس
لم تكن غزوة خيبر كأي غزوة أخرى خاضها نبي الملحمة r فقد كانت معركة شرسة وحاسمة، كما أن نتائجها المصيرية امتدت آثارها على مدى القرون السابقة من الزمان، وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك - من وجهة النظر العسكرية المادية المجردة - أي عامل مادي يتفوق به الجيش الإسلامي على اليهود في تلك المعركة إلا أن جميع تلك العوامل لم تحل دون انتصار المسلمين انتصاراً مؤزراً مبيناً قضى على الوجود اليهودي قضاءً مبرماً.
ومن خلال استعراض الكيفية التي تم فيها تحقيق الوعد الأول بانتصار هذه الأمة على يهود سوف تقطع أمتنا شوطاً كبيراً في طريقها لتحقيق الوعد الآخر من خلال استشراف العبر والدروس من بعض أحداث غزوة خيبر ولتتضح لنا معالم المعركة، بل معالم أي معركة تدور بيننا وبين اليهود . وهو ما سنعرض له خلال النقاط التالية :
(1) قتال اليهود شرف لا يحوزه أي شخص :
لما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخروج إلى خيبر بعث منادياً فنادى:"لا يخرجن معنا إلا راغب في الجهاد" فلم يخرج معه إلا أصحاب الشجرة وهم ألف وأربعمائة وتخلف من تخلف عن الحديبية كما أخبر الله تعالى "سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل[1]". .
وفي تلك الغزوة أخذ النبي – صلى الله عليه وسلم- يُشوِّق أصحابه ويمنّيهم لنيل شرف حمل الراية ضد اليهود بقوله ليلة دخوله خيبر: "لأعطينَّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وفي رواية يفتح الله على يديه ليس بفرار"، فلما أصبح غدوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم يرجو أن يعطاها..فأعطاها لعلي رضي الله عنه. وفي رواية مسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال : " ما أحببت الإمارة إلا يومئذ"،قال: " فتساورت[2]لها رجاء أن أدعى لها ، فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياها " .
ومما يدل على حرص الصحابة – رضي الله عنهم – على نيل شرف مقاتلة اليهود ما فعله جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه– ومن معه من مهاجري الحبشة، إذ أنهم لمَّا قدموا المدينة لم يجدوا النبي - صلى الله عليه وسلم – فلحقوه إلى خيبر التي تبعد ستين أو ثمانين ميلاً شمال المدينة بغية المشاركة في شرف الجهاد ضد اليهود، ولكنه كان قد فرغ من القتال، ولذلك فقد أشركهم في الغنائم وأسهم لهم منها ..
وهو نفس ما حصل مع أبي هريرة – رضي الله عنه – إذ أنه قدم المدينة مسلماً فلم يجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فيها فتزود من فوره للمسير إلى خيبر لقتال اليهود ولكن المعارك كانت قد انتهت فأشركه النبي - صلى الله عليه وسلم – أيضاً في الغنائم .
والسيرة حافلة بمثل تلك المواقف فقبل غزوة خيبر كان النبي - صلى الله عليه وسلم – قد كلف محمد بن مسلمة ونفراً من الأوس بقتل اليهودي كعب بن الأشرف فلما رجعوا برأسه، قالت الخزرج :" والله لا تذهبون بهذه فضلاً علينا أبداً "؛ فتذاكروا من رجل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – في العداوة كابن الأشرف ؟ فذكروا اليهودي سلاَّم بن أبي الحقيق، وهو بخيبر، فاستأذنوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في قتله فأذن لهم . فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر منهم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن أنيس وغيرهم فقتلوه في حصنه وعادوا وقد دبَّ الرعب في يهود .فإذا كان الناس قد زهدوا بهذا الشرف هذه الأيام فإن ذلك يزيد المجاهدين على أرض فلسطين قدراً ورفعة وسُموّاً حتى وإن وُصِفُوا بالإرهابيين والمتطرفين .
وهل أعظم من أن الذي يسقط شهيداً وهو يقاتل اليهود ينال أجر شهيدين كما روى أبو يعلى عن قيس بن شماس عن أبيه عن جده قال : استشهد شاب من الأنصار يوم قريظة يقال له خلاد فقال النبي r : "أما إن له أجر شهيدين" ، قالوا: لم يارسول الله ؟ قال: "لأن أهل الكتاب قتلوه" . وكذلك قال عن عامر بن الأكوع الذي استشهد في خيبر ..
--------------------------------------------------------------------------------
[1]- سورة الفتح : الآية 15
[2]- أي تطلعت لها